صَفعَةُ ذِكريَاتٍ وحَفنَةُ مَواقِف !
|||كَثيرٌ مِنْ الأُمور المَاضِية وخَاصّة فِي الطّفولة تكون منقُوشَةٌ نقشاً عَلى حجَر الذّاكِرة ,
ويزِيد الأَمر إنْ كَـانت موَاقِف قَاهِرة مؤلِمة أو كانت جَميلة مُثمِرة !
ولا أتوقّع بأنّ شيئاً يحتكّ بذاكِراتِنا أكثَر مِنْ الموَاقِف " المَدرسَة " ففِيها أمضينَا نِصف العُمر .
-
||| لمّا كُنت في الصفّ الأول إبتدائيّ .. ثمّة عُقدَة فِي طَريقنا وَهي " الحَركات " , لا نميّز بينَ سكون ولا فَتح ولاَكَسرٍ ولا ضَمّ ,
ولا أعلم هَل الخَلل فِي التّوصِيل أَم في عُقولِنا الصّغيرة ؟
كانَ في ذَلِك اليَوم اختبارٌ إملائيّ , فمَا كان مِنّي إلاَّ مُحاولة غِشّ صَغيرةٍ مكشوفَـة !
لَنْ أنسَى مَاحيِيت تَصرّف تِلكَ المعلِّمَة الفَذّ المَمزُوج بِحسنِ خُلقٍ وحِكمة , وجَعلت مِن الأمر شيئاً لَم يكُن !
فـ البَراءة الطفوليّة التي كشفَت محاولتي كَفيلَة بالتّغاضِي عَن العِقاب ,
وأعتقِد بأنّ الهَلع الذي أصابني في وقتها والـ "خجل "
عقابان جَعلاني لا أفكّر في تِكرار التّجربَة طِيلَة هَذه السّنين !
. . . . لَم أنسَى هذا المَوقِف ولَم أنسَى تِلكَ المعلّمَة الرّائعَة حقّاً .
-
في الصّفِ الثّاني .. لَم أنسَى أبداً تِلكَ الصّرخَة التي كَادت تَقضِي عليّ والتي لَم أتوقّعها ولَم أعلَم ماسَببُها : ( !
أَعترِف بأنّي في تِلكَ السّنين كُنت أخشَى مِن نفسِي وأخجَل مِنْ ظلّي , فَكيفَ بِمعلّمةٍ توجّه صرخةً جلجلت فِي الفَصل الهادئ
وعَلى حِينِ غَفلةٍ مِن أهلِها !
لقَد فَزِعتُ حقّاً وكِدت أبكِي لولا المُكابَرة , ونَسيتُ جدولَ الضّرب الذي كنّا نكتبه في وَقتِها !
عَلِمت السّبب بَعد أنْ قَدِمت معتذِرة , مبيّنةً لي بأنّها تَخشى بأنْ تَرى مَن خلفِي ورقَة إجَابتِي !
فَــ شُكراً لِذاكَ الأسلوب العَظيم !
-
في الصفِّ الثّالِث .. كانَ حافِلاً بالمواقِف الجَميلَة حقّاً والتي لَنْ أنسَاها وإنْ كَانت أشياءَ ليسَت بالِغَة الأهميّةِ لِتُذكر
لكنّها تَعني لِي شيئاً عَظيماً .. وأثَرُها لا زِلتُ خَالِدَةً فِي نَعيمه !
تِلكَ السّنة كَفيلةٌ بأَنْ تَرفَع منْ شَأني وتَجعلنِي شيئاً رائعاً ( فِي نَفسي) ..
مهلاً لا تتعجّلوا فلم يَكُن ذلِكم كِبراً .. إنّما هُو صقلٌ للنّفس !
فِي أَحَدِ الحَفلات الصّغيرة والتي تضمّ الصّفُوف الصّغرى فقَط , كُنت عَلى المَسرح أنظّم المشارِكَات والفَقَرات وكأنّي أهمّ شخصٍ فِي ذلِك المَكان : ) !
تَعبتُ كثيراً من الوُقوف والتّرتيب , فجَلِست على أَحدِ الطّاولات بَينما تنتَهي هذِه الفَقرة ,
فَـاجأتِني إحدِى المُعلّمات / المُربيّات الفَاضِلات بِـ أنْ قَامت عَن مَقعدها مُدنيته مِنّي لأجلِسَ علَيه كَشكرٍ عَلى مَجهودي ورَفعاً لِمعنويّاتي ,
فَما كَان مِنّي إلاّ أنْ وثَبتُ مِن الطّاولة بِخجَل وأنَا أُقدّم لَها الكُرسيّ بأنّها الأحقّ ,
وبَقِيت طِيلَة الحَفل وَاقِفة وكَأنّما حَقنتني بِجرعَة نَشاطٍ وزِيادة تَقديم الأفضَل !
فــ شُكراً عَذقاً لِتلكَ المُربيّة الرّائعَة .
-
فِي الصفِّ الخَامِس وعَلى مَشارِف نِهاية السّنة , تَقريباً شَهر أَو يزيد قَليل , كُنّا نستَعمل أَحد الأَدوات لِأحد المَوادّ
لا أَتذكّر بالضّبط لَكن لِنقُل بأنّها مِنقَلة أو عُلبَة خِياطة , الأَهمّ بأنّ فَترة إحضار هذه الأداة قَد انتَهى فعزِفنا عَن إحضارِها ,
تَفاجأنا ذَاك اليَوم بطَلب المُعلّمة إخراج تِلكَ الأداة فكان القَليلُ منّا يحملها , بينمَا خَضعَت الأُخريات لِلوقُوف ,
وَجّهت المُعلّمة ذَات الوجهِ المَشؤوم كَلماتٍ كالسّهم السّام إِلى تِلكَ المسكينَة فِي آخر الصفّ صَارخَة : وأنتِ ؟
قلتِ لي أبوي ماعنده فلوس يشتريها لي واشتريناها لك . طيييب ليه ماجبتيِهااا ؟
!
واللهِ مامِن قَلبٍ فِي تِلكَ الأثنَاء إلاّ وهزّت جنبيهِ تِلكَ الكَلمات وكادَ يبيكي بدلاً عنها !
جَميعنا مَقتَ تِلكَ المُعلّمة ومقَت أُسلوبها الخَاليّ مِنْ أيّ رحمة أو عَطف أو مراعاة لِشعور الطّفلَة المسكِينة !
كَانت عَيناها البريئتان تَنطِقان " تَبّاً لِلفقرِ الذي جَعلني أَحتاجُ لِأمثال قَلبك المُتحَجّر "
لَيتَ تِلكَ المُعلّمة تَقرأ هذه الأحرُف لِتعلم بِأنَ تِلكَ المسكينَة التي غرزَت فِي قَلبها خِنجراً لَم نرها بَعد عَامِنا ذاك !
ولَيتني أَرَاها وأصفَعها فقَد ( هَدمَت أَحد أَفراد المُجتَمع ولَبنةً كَانت سَتُساهِم فِي بنائه ) !
فأطيَب تَحايا الكَراهيّة والحُقران لتِلكَ المرأة !
-
كَثيرٌ جِدّاً مِن الأَشخَاص أَعرِفهُم شخصيّاً والبَعضُ أسمَع عَنهم , قَد تَركوا دِراسَتهم فِي سِنٍّ مُبّكرة جِدّاً رُغم أنّهم - رائعُون -
وذلِك بِسبب مُعلّمٍ وَاحد , أو رُبّما موقفٌ أو كَلمة جَعلت مِن المَدرسَة كُلّها عُقدَة يَصعُب تَخطّيها ,
وَهاهُم خطّ الشّيب فِي رؤوسِهم لا يُشكّلون شيئاً ولا يبنُون لأُمّتهم مَجداً . . !
-
لِـ الثّرثرةِ بقيّة فـالمعذرة ^^